الحمل والولادة
أخر الأخبار

نساء لا يرغبن بالأمومة

هناك اعتقاد راسخ في معظم المجتمعات أن لكل أنثى دورة ومراحل طبيعية لابد أن تمر بها جميعا كاملة حتي تكتمل أنوثتها ولا ينظر لها المجتمع علي أنها امرأة ناقصة أو غير مكتملة.

تبدأ هذه الدورة منذ وصول الفتاة لسن البلوغ؛ حيث يتحدد لها شكل ونمط معين لابد أن تلتزم به سواء في الجلوس أو المشي أو التعامل مع الآخرين اعتقادا منهم أنها لم تعد تلك الفتاة الصغيرة.

عندما تقترب الفتاة من سن الثلاثين يزداد ضغط المجتمع عليها لكي تتزوج قبل أن يفوتها قطار الزواج والأمومة 

عندما تتزوج الفتاة لا يلبث هذا المجتمع فترة قصيرة حتي يعاود ممارسة ضغطه المعتاد علي الفتاة؛ حيث تكثر الأسئلة الموجهة لها مثل هل هناك أي أخبار سارة؟

لا شك في أن مجتمع كهذا يحدد للفتاة شكل حياتها منذ بداية ولادتها حتي الشيخوخة لن يتقبل بسهولة أن تحيد الفتاة عن المسار الذي رسمه لها منذ البداية.

وصم المجتمع للنساء الرافضات للأمومة

إن المجتمع الأبوي والنظام الذكوري يختزل كيان المرأة في الزواج والإنجاب؛ فبدون زواج المرأة أو إنجابها الأطفال تبدأ سلسلة من الوصم والعار المتلاحق حيث لا تشمل المرأة فقط بل يمتد الوصم والنبذ والضغط المجتمعي إلي العائلة أيضا؛ فمن الممكن أن يتحول محور الحديث في التجمعات العائلية إلي سبب تأخر الفتاة في الزواج أو الإنجاب وهل ذهبت إلي الطبيب لمعرفة سبب تأخر الحمل أم لا؟ 

يوصم المجتمع السيدات اللاتي لا يمكنهن الإنجاب بصفات وكلمات سيئة لا تراعي المشاعر مثل ” الأرض البور” فكيف بالمرأة التي ترفض باختيارها قرار الإنجاب؟ 

لا يقتصر هذا الوصم والنبذ علي مجتمعاتنا العربية فقط ؛ بل إن المجتمعات الغربية حتي فترة قصيرة كانت تعاني من نفس المشكلة ؛ ففي إيطاليا يطلق علي المرأة التي لا تنجب مصطلح ” nullipara ” والتي تعني أنثى الحيوان التي لا تنجب.

يستخدم المجتمع عدة أساليب لدفع النساء نحو قرار الإنجاب من أشهرها: التخويف من الوحدة؛ حيث يتم إخبار النساء بأنهن سيكن وحيدات عندما يكبرن ولن يجدن من يقوم علي رعايتهن عندما يصلن إلي مرحلة الشيخوخة.

من الأساليب المشهورة التي يستخدمها المجتمع أيضا للضغط علي النساء بشأن قرار الإنجاب هو إخبارها بأنها تفوت فرصة عظيمة في يدها الآن ، وهذه الفرصة لن تكون متاحة أمامها عندما تكبر في السن.

وأخيرا يمكن أن يتم الضغط علي النساء عن طريق اختزال معني الحياة بالنسبة لهن في الإنجاب؛ حيث يتعمد المجتمع أن يشعر النساء الرافضات للأمومة بأنها تفتقد معني الحياة وأنه ما زال ينقصها الكثير من المشاعر التي لم تختبرها بعد.

أسباب عدم رغبة النساء في إنجاب الأطفال

يعتبر قرار عدم الإنجاب من القرارات الصعبة بسبب تأصيل المجتمع لها منذ القدم، ولكن مع توفر وسائل منع الحمل وتقدم العصر فإن عدد النساء اللاتي يصرحن بعدم رغبتهن في الإنجاب أصبح يزداد يوما بعد يوم، سواء كان هذا القرار نابع من رغبة داخلية أو بسبب ظروف وعوامل خارجية ومن هذه الأسباب ما يلي:

1. عدم الاستعداد لتولي مسؤولية طفل

مما لا شك فيه أن تربية الطفل مهمة ليست هينة أبدا ؛ حيث أنه يجب علي الأبوين توفير جميع احتياجاته من المأكل أو الملبس أو المشرب وأيضا توفير سبل الراحة والأمان فالطفل لم يختر بإرادته القدوم إلي هذا العالم.

في المجتمعات العربية وكذلك أغلب مجتمعات الغرب تعتبر ٩٠٪ من مسؤولية تربية الطفل وتلبية معظم احتياجاته وتقديم الدعم النفسي والمعنوي له مسؤولية الأم وحدها فقط؛ وذلك لأن المجتمع ينظر إلي الأب كمصدر للدعم المادي فقط وأنه مسؤول عن تغطية مصاريف البيت أما الدعم النفسي والمعنوي للطفل فالمجتمع يعتبره مسؤولية الأم وحدها.

2 . الخوف من عدم تلقي الدعم الكافي

من الممكن أن يكون المجتمع لا يلقي بالا لمخاوف النساء أو قلقهن، ولكن في حقيقة الأمر أن النساء تخاف كثيرا أن لا تتلقي الدعم الكافي في رحلة إنجاب الأطفال مرورا بمرحلة الحمل حتي مرحلة الإنجاب ودخول غرفة عمليات الولادة    

تحتاج النساء بلا شك الدعم النفسي من الزوج والعائلة خلال رحلة حملها والتي تمر فيها بتقلبات مزاجية كثيرة بفعل تغير الهرمونات مرورا بمرحلة الولادة وتربية الطفل حيث من الممكن أن تستمر التقلبات المزاجية حتي بعد الإنجاب فيما يعرف ب” اكتئاب ما بعد الولادة” وهي حالة شائعة تصيب العديد من النساء حيث تمر الأم بمزاج سئ وعدم القدرة والرغبة في تربية وتولي مسؤولية الطفل ويجب علي الزوج أن يفهم هذا وألا يعتبر هذا مجرد رفاهية، ويقدم لها الدعم النفسي التي تحتاجه لكي يجتازوا معا هذه المرحلة.

3 . عدم استقرار الحياة الزوجية

هناك العديد من الزيجات غير الناجحة التي قد يضطر فيها الزوجان إلي تأجيل قرار الإنجاب؛ مخافة عدم التوصل إلي حل يجعل بإمكان الزوجين الاستمرار بدون مشاكل ومواصلة حياتهما الزوجية بشكل طبيعي.

لا شك أن قرار كهذا هو قرار صائب؛ حيث أن إنجاب طفل في بيئة هشة تعج بالخلافات يعتبر قمة الأنانية ورغبة في إرضاء صورة المجتمع المثالية المزيفة فقط 

عندما ينشأ الطفل في بيئة سامة من الممكن أن تؤثر على شخصية الطفل ويصاب بالأمراض والاضطرابات النفسية والتشوه؛ فالشعور بالأمان والراحة النفسية والحياة السوية للطفل هو حق أصيل له يحب أن يؤخذ في الاعتبار من قبل المجتمع كحق أصيل مثل حقه في الدعم المادي.

4 . اكتفاء الزوجين بنمط حياتهم بدون أطفال

في بعض الأحيان يشعر الكثير من الأزواج بالاكتفاء تجاه نمط الحياة بدون إنجاب الأولاد ، ظنا منهم أنهم غير مؤهلين لهذه الخطوة بعد أو إعتقادهم أن إنجاب سيفسد نمط حياتهم المستقر.

5 . تفضيل العمل وبناء مستقبل مهني علي إنجاب الأطفال وتكوين أسرة

بعض النساء يفضلن تأجيل أو إلغاء قرار الإنجاب للتفرغ التام للحياة المهنية؛ حيث أن إنجاب طفل في المجتمع العربي يعد مسؤولية الأم بشكل شبه كامل فيجب أن تتفرغ الأم لتربية الطفل وتقديم الدعم النفسي الكامل في شهوره الأولي حيث يكون الطفل أكثر ارتباطا بالأم وهذا بالطبع قد يعيق تقدمها في المسار الوظيفي.

6 . عدم الشعور برغبة في امتلاك الأطفال

بعض النساء يشعرن بعدم الرغبة في إنجاب وأن حياتهم مثالية علي هذا النحو.

في دراسة أمريكية عام 2018 قامت بإحصاء نسبة النساء اللاتي لا تفضلن الإنجاب؛ حيث كانت النسبة 96.9% بين الفتيات من عمر 16 إلي 19 سنة من اللاتي لا يفضلن الإنجاب ، بينما كانت 15% بين النساء من عمر 40  إلي 44.

7. الخوف من تجربة الحمل والولادة

تحمل المرأة الطفل في أحشائها لمدة تسعة أشهر كاملة وفي هذه المدة يمكن أن يتعرض جسم المرأة للكثير من الضغط النفسي والجسدي؛ حيث تتغير الهرمونات بسبب الحمل مما يجعل المرأة أكثر عرضة للتقلبات وسوء المزاج،

أما الضغط الجسدي فمن الممكن أن تصاب المرأة بآلام أو صعوبة في الحركة بسبب زيادة الوزن والحمل علي المفاصل.

من المؤكد أن تجربة الولادة من أشد التجارب ألما حيث أن إحضار طفل لهذه الحياة لا يعتبر بالأمر السهل بالرغم من تقدم الطب إلا انه ما زالت النساء تعاني خلال تجربة الولادة.

من الطبيعي أن تقلق النساء من تجربة الولادة ولكن قد يتطور هذا القلق إلي حالة من الهلع والخوف الزائد عن الحد فيما يعرف بالتوكوفوبيا

تؤثر هذه الفوبيا علي نساء كثيرة بشأن قرار الإنجاب وهذا الخوف قد ينتج عن أسباب عدة:

  • الخوف من ألم الولادة 
  • الخوف من اللمس بسبب التعرض لصدمة أو تجربة مؤلمة في الماضي مثل: الاغتصاب أو التحرش، أو الخجل من لمس المناطق الخاصة من قبل الطاقم الطبي
  • الخوف من الإبر والعمليات القيصرية والتخدير 
  • الخوف من المستشفيات أو الأطباء 
  • الخوف من زيادة الوزن وتدهور الشكل 
  • سماع قصص عن نساء تعرضن لمضاعفات خطيرة أثناء عملية الولادة
  • الخوف من الموت أثناء الولادة

معدل وفيات النساء أثناء الحمل والولادة

قامت منظمة الصحة العالمية بعمل إحصائية حول عدد النساء اللاتي يتعرضن للموت نتيحة مضاعفات أثناء الحمل والولادة ؛ حيث وجد أن ما يقرب من 300000 امرأة توفين لأسباب تتعلق بالحمل عام 2017 أي بمعدل 808 امرأة كل يوم.

تزداد احتمالية حدوث هذه المضاعفات في الدول النامية والبلدان فقيرة الدخل ؛ حيث تزداد احتمالية الوفاة  في نيجيريا أثناء الحمل بأكثر من 200 مرة.

المصدر
statistaabsourworldindata

د. ندى عاصم

صيدلانية وكاتبة محتوى طبي
زر الذهاب إلى الأعلى