الحمل والولادة
أخر الأخبار

حمى النفاس ومضاعفات تهدد حياة الأم بعد الولادة

النفاس هو المدة الزمنية من وقت انتهاء عملية الولادة وخروج الجنين للحياة حتى ستة أسابيع لاحقة، وهو الوقت اللازم ليرجع الجهاز التناسلي للمرأة إلى حالته الطبيعية قبل الحمل. تعد حمى النفاس أو ما يعرف أيضًا بحمى ما بعد الولادة ثالث الأسباب الأكثر شيوعًا للوفاة بين الأمهات في العالم، وتحدث نتيجة الإصابة بعدوى بكتيرية في الرحم أو أعضاء الجهاز التناسلي البولي المحيطة بالرحم أثناء عملية الولادة. سيدتي، سنتعرف في هذه المقالة على تاريخ ظهور حمى النفاس، وأسباب حدوثها، والتشخيص، والأعراض المصاحبة لها، والعلاج، والمضاعفات التي يمكن أن تحدث، وما هي العوامل التي تزيد من فرص الإصابة بها، وكيف يمكن تجنب الإصابة، وختامًا، هل استطاع العلم الحديث القضاء عليها؟

تاريخ ظهور حمى النفاس

كانت بداية ظهور وفيات في الأمهات اللاتي وضعن حديثًا بسبب حمى النفاس في القرن السابع عشر، عندما انتشرت ظاهرة الولادة في المستشفيات والبقاء في المستشفى بعد الولادة. في بداية الأمر لم يفهم الأطباء سبب الوفاة إلى أن استطاع الطبيب أوليفر وندل هولمز Oliver Wendell Holmes أن يكتشف أن السبب هو انتقال العدوى البكتيرية من الأطباء والممرضات إلى السيدات اللاتي على وشك الولادة أثناء فحصهن، بعد أن وجد أن نسبة الوفيات في السيدات اللاتي يضعن بمساعدة القابلات تكاد تكون منعدمة.

لاحظ ذلك أيضًا الطبيب فيليب سيملويس Philipp Semmelweis، واستطاع أن يكون سببًا في تقليل نسب الوفيات من 10% إلى 2% عند الالتزام بغسل اليدين وارتداء القفازات المعقمة وغيرها من طرق التعقيم البسيطة في ذلك الوقت قبل فحص المريضات. حيث كان الأطباء ينتقلون من تشريح الجثث بهدف تعليم الطلبة إلى فحص المريضات دون الحرص على إجراء التعقيم اللازم، وهو الأمر الذي لم تكن تفعله القابلات مما أكد نظرية د. هولمز.

هُوجم كلا الطبيبين ولم يُعترف بأهمية ذلك الاكتشاف حتى نهاية القرن التاسع عشر، أدرك الأطباء حينها أن التعقيم لجميع الأدوات المستخدمة في الولادة والحرص على نظافتها ونظافة غرف الولادة له دورًا هامًا في الوقاية من حمى النفاس، وكان الفضل في ذلك يرجع إلى تقنيات التعقيم التي وضعها د. فيليب.

أسباب حمى النفاس

يرجع السبب الرئيسي في حدوث العدوى إلى التلوث وغياب معايير النظافة الصحية. تحدث حمى النفاس نتيجة عدوى بكتيرية تسبب:

  • التهاب بطاني رحمي حيث تنتقل البكتيريا إلى بطانة الرحم بسبب الانقباض المستمر لعضلات الرحم -الأمر الذي قد يُحدث بعض التمزق في تلك العضلات- وتمزق الغشاء المحيط بالجنين أثناء الولادة. قد تحدث أيضًا حمى النفاس بعد عمليات الإجهاض. تظهر الأعراض خلال الأسبوع الأول بعد الولادة، ونسبة الإصابة 15% من بين حالات الوضع.
  • التهاب الأعضاء المجاورة للرحم عن طريق تلوث بكتيري في جرح شق العجان بغرض توسيع منطقة الولادة أو جرح البطن في عمليات الولادة القيصرية. تظهر الأعراض خلال الأسبوع الأول بعد الولادة، ونسبة الإصابة 5% من بين حالات الوضع.
  • التهاب الثدي النفاسي بعد الولادة بسبب الرضاعة الطبيعية؛ في هذه الحالة تحدث العدوى عن طريق فم الرضيع أو البلعوم، حيث تنمو بعض البكتيريا في فم الرضيع إذا غط في النمو أثناء الرضاعة. تظهر الأعراض بين الأسبوع الثاني والثالث من بداية الرضاعة بنسبة 2-10% من الأمهات المرضعات.

تشخيص حمى النفاس

يعد الارتفاع في درجة حرارة الأم بعد الولادة ظاهرة طبيعية مما قد يؤدي إلى اختلاط الأمر على أهل المريضة والتأخير في اللجوء إلى استشارة الطبيب المختص ومن ثم تأخير العلاج، الأمر الذي يسبب تفاقم الحالة. في حالة حمى النفاس ترتفع درجة حرارة الأم إلى 38 درجة  سليزية أو أعلى ويستمر الارتفاع ليومين متتاليين خلال العشرة أيام الأولى بعد الولادة. 

يلجأ الطبيب إلى الفحص السريري للمريضة وإجراء اختبارات الدم والبول ومزرعة البول لتحديد البكتيريا المسؤولة عن العدوى واختيار العلاج المناسب لها.

أعراض حمى النفاس

يعد ارتفاع درجة الحرارة هو العرض الرئيسي لحمى النفاس، وهو أول الأعراض ظهورًا والسبب في تسميتها حمى، ثم تظهر الأعراض الآتية:

  • التعرق الزائد.
  • الرعشة.
  • شحوب الوجه والهزال.
  • تسارع في ضربات القلب.
  • فقد الشهية.
  • آلام شديدة في البطن بسبب التهاب الرحم.
  • نزيف.
  • إفرازات كريهة  الرائحة في المهبل.

قد يستغرق ظهور تلك الأعراض عدة أيام، لذا من الضروري الرجوع إلى الطبيب المختص حال ظهور أيٌ منها قبل أن يتفاقم الأمر.

علاج حمى النفاس

تحدث حمى النفاس بسبب عدوى بكتيرية؛ لذا كان العلاج هو المضادات الحيوية ومضادات الالتهاب وخافض الحرارة. يلجأ الأطباء إلى وصف المضادات الحيوية عن طريق الحقن الوريدي، ثم المضادات الحيوية واسعة المدى عن طريق الفم للسيطرة على الحالة. من أهم المضادات الحيوية المستخدمة لعلاج حمى النفاس:

  1. الأموكسيسيللين Amoxicillin 
  2. الدوكسي سيكللين Doxycycline 
  3. ليفوفلوكساسين Levofloxacin 

يُؤخذ علاج حمى النفاس تحت الإشراف الطبي في المستشفى، حتى تحصل المريضة على الرعاية اللازمة ويستطيع الأطباء ملاحظة أي تغيرات تطرأ على الحالة، ويستطيع التمريض تنظيف الجروح من أي تلوث يكون قد حدث وأدى إلى الإصابة.

مضاعفات حمى النفاس

قد تؤدي حمى النفاس في حال تأخر العلاج أو إهمال الأعراض إلى مضاعفات خطيرة؛ تلك المضاعفات هي سبب الوفيات في القرن السابع عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر. تشمل مضاعفات حمى النفاس:

  • التهاب شديد في أغشية البطن الداخلية peritonitis.
  • تجلط الدم في الأوردة في منطقة الحوض pelvic thrombophlebitis.
  • تجلط الدم في الشريان الرئوي pulmonary embolism.

وانتشار البكتيريا في الدم مسببة تسمم الدم وانخفاض شديد في ضغط الدم، ومن ثم الوفاة.

العوامل التي تزيد من فرص الإصابة

هناك عوامل تتعلق بالأم الحامل مثل التاريخ المرضي لها، وعوامل أخرى تتعلق بالظروف المحيطة بالولادة مثل الطاقم الطبي وتعقيم مكان الولادة والأدوات المستخدمة. يأتي ذلك في النقاط الآتية:

  1. أن تستغرق عملية الولادة مدة زمنية طويلة؛ حيث  يزيد ذلك من فرص حدوث العدوى.
  2. إذا كانت الأم لها تاريخ مرضي من الإصابة بعدوى الجهاز البولي البكتيرية أو العدوى البكتيرية للمهبل.
  3. فقر الدم أو سوء التغذية.
  4. الجماع في الفترة ما قبل الولادة.
  5. حالات الولادة القيصرية الطارئة.
  6. تمزق الغشاء المحيط بالجنين قبل الوقت المُتوقع له.
  7. أن تكون الأم تعاني مرض السكري أو ضغط الدم المرتفع، أو السمنة.
  8. استخدام أدوات غير معقمة في عملية الولادة.

كيف يمكن تجنب الإصابة بحمى النفاس

وُجد أن خطر الإصابة بحمى النفاس مرتبط بطريقة الولادة،؛ ومن ثم أقرت الكلية الأمريكية لطب النساء والتوليد بعض الاقتراحات لتقليل فرص حدوث العدوى في حالات الولادة القيصرية، منها:

  • استخدام المقص لإزالة شعر العانة وتجنب استخدام الشفرات.
  • استخدام صابون الكلوروهيكسيدين chlorohexidine soap في الاغتسال الليلة التي تسبق الجراحة.
  • تنظيم سكر الدم والمحافظة عليه ليظل أقل من 200 mg/dL.
  • تعقيم الجلد في منطقة الجراحة باستخدام المطهرات الكحولية.

قد يلجأ الطبيب أيضًا إلى وصف جرعة واحدة من المضاد الحيوي قبل إجراء الجراحة بساعة، أو وصف كورس كامل من المضاد الحيوي المستخدم لعلاج العدوى البكتيرية التي تصيب الجهاز التناسلي.

كانت حمى النفاس في الماضي سببًا رئيسيًا في موت الكثير من الأمهات بعد الولادة، ولكن في عصرنا هذا استطاع العلم والتقدم الطبي والعلاجي أن ينقذ آلاف الأمهات. حيث استطاعت المضادات الحيوية السيطرة على شدة الإصابة وتقليل فرص العدوى، وأصبحت تقنيات  التعقيم المختلفة والمتقدمة أمرًا ضروريًا في تقديم أي خدمة طبية في العيادات والمستشفيات. 

وختامًا، عزيزتي الأم الحامل، تمضي بك الأيام وأنت تنتظرين طفلك القادم بكل شوق ولهفة، وتحلمين بأن تضمينه إلى صدرك في القريب العاجل، فلا تغفلي عن صحتك في خضم تلك المشاعر الرائعة، ولا تترددي في أن تسألي طبيبك عن كل الأمور التي تتعلق بمرحلة الولادة. إن وعيك بكل ما ذكرناه في هذه المقالة قد يكون بمثابة طوق النجاة لك في حال حدوث أي مشكلة ما بعد الولادة.

المصدر
encyclopediahealthlineinvitracambridgeverywellhealthonlinelibrary
زر الذهاب إلى الأعلى