متلازمات
أخر الأخبار

متلازمة التحذلق اللغوي | عندما يصبح الشغف مرضًا!

يواجه عددٌ من محبي اللغة العربية والحريصين على النطق بها فصيحة في مختلف المناسبات السخرية من بعض الناس، لارتباط النطق باللغة العربية الفصحى ببعض المشاهد الساخرة في بعض الأعمال الفنية.

وفي أحيان أفضل قد يُطلق عليهم لقب: “متحذلق”، والمتحذلق في عرف الناس من يتقعر في كلامه باختياره ألفاظًا غير دارجة على ألسنتهم، وقد يُوصم الفرد طوال حياته بهذا اللقب.

فهل توجد علاقة بين هذا اللفظ و”متلازمة التحذلق اللغوي؟” أم أنها تعني شيئًا آخر؟ هذا ما سنعرفه في هذا المقال.

معنى التحذلق في اللغة العربية

حسب معجم اللغة العربية المعاصر، فإن تحذلق الكاتبُ، أي: ادّعى أكثر ممّا عنده من الحِذْق والمهارة.

وهو بهذا المعنى يتوافق مع المعنى الدارج عن الشخص الذي يتقعر بكلامه ليُظهر أنه يعلم أكثر من الآخرين.

لكن عند الحديث عن متلازمة التحذلق اللغوي قد نعني شيئًا مختلفًا، فما هي حقيقة متلازمة التحذلق اللغوي؟

متلازمة التحذلق اللغوي

متلازمة التحذلق اللغوي تُعنى بالشخص غير القادر على كبح لجام نفسه حين سماع خطأ لغويًا، فيبادر بتصحيحه دون طلب ذلك منه. 

وهذا الشخص قد يكون مدققًا لغويًا بارعًا، لقدرته على التقاط الأخطاء بسهولة وسرعة ودقة!

لكن وللأسف، هذا التصرف قد يضايق الآخرين منه، فيتجنبوه حتى لا يضايقهم! 

وحين يلاحظ ضيقهم فإنه يحاول ألا يفعلها مرة أخرى، لكن هيهات! فما إن “يَشُم” عن خطأ لغوي حتى يسارع لتصحيحه! 

فهل هذا مرض حقًا؟

أسباب متلازمة التحذلق اللغوي

في دراسة أجريت عام ٢٠١٦، رصد باحثان ردود فعل مجموعة من الأميركيين باتجاه أخطاء لغوية في بعض الرسائل الإلكترونية، وبعدها طلبا منهم أن يملؤا استبيانًا عن شخصياتهم لتحديد نوعها.

وجد الباحثان أنه لا علاقة بالسن، أو النوع، أو درجة التعليم، ووجود متلازمة التحذلق اللغوي من عدمها، في الأشخاص الذين كانوا محور الدراسة، إلا أنهم وجدوا أن الانطوائيين أكثر من ظهر عليهم أعراض، بل ويتجنبون أيضًا من يصدر عنهم أخطاء، وهو ما لم يتوقعه الباحثان، حيث يعتقد أحدهم -تفسيرًا لنتيجة الدراسة- أن الانطوائيين لديهم حساسية عالية لإدراك الاختلافات.

وطبقًا لبعض الدراسات، فإن متلازمة التحذلق اللغوي تُعَد نوعًا من أنواع الوسواس القهري.

كما يعاني مرضى الوسواس القهري أفكارًا لا يستطيعون الفرار منها، وتسبب لهم الإزعاج والخوف، فيلجأون لبعض الطقوس وتكرار بعض الأفعال لإبعاد القلق عنهم.

كذلك يعاني المتحذلقون اللغويون حين يرون خطأً مطبعيًا أو لغويًا، فقد يقلقون ويتوترون، فيلجأون لتصحيح الأخطاء حتى يعودوا إلى سكينتهم.

بل يرى أحد الباحثين، أن القواعد اللغوية تغذي رغبة مرضى الوسواس القهري، في أن يضعوها في نطاقها الصحيح، في حالة أخطأ بها بعض الأشخاص، حتى لو أثر ذلك على مظهرهم وموقعهم الاجتماعي سلبًا، وحتى لو لم يقابلوا بترحيب بعد ذلك. 

وقد ينظر المتحذلق اللغوي للقواعد اللغوية، على أنها صمام أمان يلتزم بها، حتى يتجنب الظهور الكامل لأعراض الوسواس القهري.

دراسة على مستوى الجينات 

بداخل كل نواة خلية في الجسد البشري يوجد الحمض النووي، وعلى ذلك الحمض النووي تكون الجينات، وكما أن الجينات مسئولة عن الصفات الجسمانية للإنسان مثل: شكل الأنف وطول الشعر ولون العينين، فإن الكثير من أفعال الناس وتصرفاتهم وبعض صفات شخصياتهم يكون سببها الأصلي بعض الجينات التي ورثوها، وتأتي بعدها بعض العوامل البيئية التي تساعد في إظهار تلك الصفات أو إخفائها. 

من ضمن الجينات، هناك جين يُسمى FOXP2 ويطلق عليه لقب (جين اللغة)، حيث يسبب هذا الجين العديد من الأمراض المتعلقة بالنطق واللغة.

وهناك الآن دليل على وجود نوع من هذا الجين، ويُسمى FOXP2.1 والذي من المحتمل أنه يتسبب في متلازمة التحذلق اللغوي حيث يسارع الشخص المصاب به إلى تصحيح الأخطاء رغمًا عنه.

وقد رُصِدَ هذا الاعتلال من خلال تصوير أدمغة الناس محور الدراسة بالرنين المغناطيسي، أثناء تعرضهم لأخطاء لغوية أو نحوية، ورصد التغييرات التي تحدث في أدمغتهم في أثناء ذلك.

وقد ظهر في التصوير بالرنين المغناطيسي بعض أماكن الدماغ المسئولة عن اللغة -في الأشخاص ذوي متلازمة التحذلق اللغوي- بصورة أصغر من الطبيعي وأقل نشاطًا، مثل: منطقة بروكا ومنطقة فيرنيكيه. 

في حين كانت هذه المناطق أكثر نشاطًا، وأكبر حجمًا، في أدمغة الأشخاص الذي لا يواجهون مشكلة مع الأخطاء اللغوية. 

وهذا ما يدفعنا للتساؤل، هل اكتشاف جين مسئول عن متلازمة التحذلق اللغوي يجعل علاجها ممكنًا؟

علاج متلازمة التحذلق اللغوي 

عند الحديث عن إمكانية علاج متلازمة التحذلق اللغوي، نجد أحد الباحثين قد صرح بأن التعرف على الأساس الفسيولوجي للمتلازمة يجعلنا قريبين للغاية من الوصول لعلاجها في آخر الأمر، وذلك من خلال العلاج بالخلايا الجذعية وتطوير بعض العلاجات الدوائية.

وأخيرًا، إذا كنت أحد ضحايا متلازمة التحذلق اللغوي، لا تلق بالًا لتعليقات من حولك، فما باليد حيلة! واستثمرها فيما يفيدك!

المصدر
theguardianhealthcheckupdidyouknowstuffurbandictionary
زر الذهاب إلى الأعلى